الاثنين، 14 يناير 2013

مالي, لماذا الآن ؟ و ماذا تستفيد فرنسا ؟ و هل مالي مجرد بداية ؟ وما علاقة الجزائر و غيرها بالقضية ؟


من جديد تتدخل احدى الدول الامبريالية في دولة اسلامية وقع فيها واحد من أغبى الانقلابات العسكرية في التاريخ حيث حدث تمرد عسكري في مالي في 21 مارس 2012، حيث سيطرت مجموعة من العسكريين الماليين على السلطة، بعد استيلائها على القصر الرئاسي في العاصمة باماكو قبل بضعة أسابيع من الانتخابات الرئاسية التي أعلن رئيس البلاد نيته عدم الترشح فيها . و الانقلاب جاء بعد عدم استجابة الحكومة لمطالب الجيش، الذي يطلب بتسليح رفاقهم الذين يعانون هزائم متكررة في شمال البلاد، في حربهم ضد الطوارق وأنشطة مجموعات إسلامية مسلحة ورجال مدججين بالسلاح قاتلوا لحساب نظام معمر القذافي و بعضهم استطاع وضع يده على أسلحة لم يكن ليتخيلها . و قبل التعمق في الموضوع وجب علينا أولا فهم طبيعة دولة مالي و خصائصها .



 تعريف بسيط بدولة مالي :
مالي أو جمهورية مالي وهي دولة غير ساحلية في غرب أفريقيا. وتحدها الجزائر شمالا والنيجر شرقا وبوركينا فاسو وساحل العاج في الجنوب وغينيا من الغرب والجنوب، والسنغال وموريتانيا في الغرب. تزيد مساحتها عن 1,240,000 كم² ويبلغ عدد سكانها 14,5 مليون نسمة. عاصمتها باماكو. تتكون مالي من ثماني مناطق وحدودها الشمالية تصل إلى عمق الصحراء الكبرى، أما المنطقة الجنوبية من البلاد حيث يعيش فيها أغلبية السكان فيمر بها نهري النيجر والسنغال. ويتمحور التركيز الاقتصادي في البلاد حول الزراعة وصيد الأسماك. ويوجد في مالي بعض الموارد الطبيعية مثل الذهب واليورانيوم والملح.
مالي الحالية كانت ذات يوم جزءا من ثلاث امبراطوريات أفريقية غربية سيطرت على التجارة عبر الصحراء ‏ وهي مملكة غانا ومالي (منها سميت مالي) وصونغاي. استولت فرنسا على مالي أثناء الزحف على أفريقيا ‏ أواخر القرن التاسع عشر، وجعلتها جزءا من السودان الفرنسي ‏. نالت السودان الفرنسية (سميت بعد ذلك باسم الجمهورية السودانية وهي ليست جمهورية السودان الحالية) استقلالها في سنة 1959 مكونة مع السنغال اتحاد مالي الذي مالبث أن انحل عقده بعد عام في أعقاب انسحاب السنغال، فسمت الجمهورية السودانية نفسها باسم جمهورية مالي. ثم بعد ذلك أي بعد فترة طويلة من حكم الحزب الواحد حصل انقلاب في تلك الجمهورية سنة 1991 أدى إلى كتابة دستور جديد وإنشاء دولة مالي كدولة ديمقراطية متعددة الأحزاب. حوالي نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر أي أقل من 1.25 دولار في اليوم.

- موارد مالي :
الى جانب الفلاحة و غيرها من الأنشطة الاقتصادية لمالي فهي تمتلك إرسابات معدن البوكسيت والنحاس والذهب وخام الحديد والمنجنيز والفوسفات والملح واليورانيوم. ويُعدُّ استخراج الملح أكبر إنتاج معدني في البلد بجانب استخراج قليل من الذهب.

- الأديان المختلفة في مالي :
الإسلام 90% (سني وصوفي). المسيحية 5% (ثلثي رومان كاثوليك والثلث بروستانت). ديانات محلية 5 %. خلال القرن التاسع الميلادي جلب التجار المسلمين البربر والطوارق الإسلام جنوبا في غرب أفريقيا. كما انتشر الإسلام في المنطقة من قبل أتباع الطرق الصوفية. ربط الإسلام أهالي سكان منطقة السافانا في غرب أفريقيا من خلال الاعتقاد بإله واحد. مدن تمبكتو وجاو وكانو سرعان ما أصبحت مراكز دولية للتعليم الإسلامي.

كان من أهم ملوك مالي مانسا موسى (1312-1337) الذي شهدت مالي في عهده توسع كبير ومد النفوذ إلى دول النيجر، ومدن تمبكتو، غاو، وجينيه. وكان مانسا موسى مسلم متدين وأفيد أنه كان يقوم ببناء المساجد الكبرى في جميع أنحاء مناطق نفوذ مالي. قيامه بأداء فريضة الحج في مكة المكرمة جعلت منه شخصية معروفة حتى في التاريخ الأوروبي. في عهد موسى مانسا أصبحت تمبكتو واحدة من المراكز الثقافية الكبرى في أفريقيا والعالم.

 الآن و قد عرفتم بعضا من تاريخ مالي و ثرواتها سنشرع ان شاء الله في الدخول الى صلب الموضوع .فبعدما بدأت فرنسا أنشطتها العسكرية في مالي ركزت هجماتها على الجنوب لتقتل بذلك عشرات المسلمين و تأكد سيطرتها على الأرض كما الجو دون أن تنسى شمال البلاد المحكوم من طرف الطوارق و تساعد بذلك الجيش النظامي الذي قام بانقلاب على الشرعية و المشروعية ( هذا شيء نسيته فرنسا ) . لكن السؤال هنا هو كيف دخلت فرنسا الى مالي ؟ هل عن طريق الجزائر ؟ ام عن طريق موريتانيا ؟
 كل الدلائل تشير للأسف الى تورط الجزائر في هذه المصيبة فكانت الطريق الذي اتخذته فرنسا للدخول الى مالي. فقط تذكروا زيارة هولوند الى الجزائر و هي الزيارة الأولى من نوعها من رئيس فرنسي الى الجزائر منذ مدة طويلة و هو ما قد يكون وضع الحجر الأساس للتدخل الفرنسي في مالي بعد هذه الزيارة بأيام قليلة .
و السبب في هذا التدخل تختلف فيه الآراء و الرؤى فمن جهة قد يكون الهدف وضع اليد على اليورانيوم الخاص بمالي مع العلم أن فرنسا تستورد منه كميات مهمة و خيرات و ثروات الدول المجاورة لها. كما قد يكون السبب أعقد من هذا و يجعل من الجزائر و النيجر هدفا لهذا الغزو الذي كانت الجزائر نفسها طرفا فيه و كأنها تحفر قبرها بيديها الا ان كان هناك اتفاق مسبق بين الأطراف. لكن كيف يمكن أن تكون الجزائر و النيجر هدفا و لماذا ؟


الجميع يتذكر الثورات التي شهدتها المنطقة و الجميع لن ينكر أن الجزائر كانت من الدول التي لم تتأثر بها فالنظام بقي كما كان عليه . و دعونا لا ننسى أن نتائج هذه الثورات كان ايجابيا للدول الامبريالية فمثلا ليبيا التي أصبح  في خمس و ثلاثون في المائة  من انتاجها يصدر لفرنسا . أو تونس التي شددت الخناق على التونسيين ربما أكثر من بن علي . و الجزائر ........... ؟ الجزائر لم تتغير و لم تأثر فيها الثورات بالقدر الكافي و الذي سيخدم المصالح الغربية. اذن ما علاقة احتلال مالي بوضع اليد على الجزائر و ثرواتها ؟
للجواب على هذا التساؤل أفضل أن أنقل اليكم ما قاله المتحدث باسم حركة (أنصار الدين) المالية المعارضة، ولد بوعمامة، في حوار مع صحيفة (الشروق) الجزائرية نشر الأحد، حول الخلفيات الحقيقية التي دفعت فرنسا للدخول في الحرب بهذه السرعة : " انه مشروع فرنسي لإعادة مكانة فرنسا في المنطقة التي حظيت بها خلال ستينات القرن الماضي، ففرنسا أرادت هذه الحرب وخططت لها منذ سنوات، وهي الآن تنفذها، حيث الصراع يعود إلى سنوات، بل إلى عقود من الزمن ".
وأشار إلى " الصراع الجزائري - الفرنسي على القاعدة العسكرية (تساليت) في عهد حكم الجنرال موسى تراوري، قبل أن تتمكن الجزائر من انتزاع هذه القاعدة وأرجعتها لمالي.. فالمسألة ليست بسيطة كما يتصورها البعض، إنما هي أكبر بكثير من ذلك.. هي مسألة نفوذ في المنطقة، وفرنسا أرادت إعادة بسط السيطرة على المنطقة ككل، ولكن هذه المرة من خلال الجنوب ".
وأوضح أن " فرنسا على ما يبدو أرادت أن تستهدف الجزائر، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قدّم للجزائريين في خطابه أمام نواب البرلمان الجزائري في 20 ديسمبر الماضي حقن أنسولين وحبات باراسيتامول لإرضاء الجزائريين على ما قام به أجداده في الجزائر، وامتصاص غضبهم، وإلهائهم لتنفيذ مشروع فرنسا في منطقة الساحل ".
 و الغريب في الأمر هو الفشل الغريب المصاحب لأية مفاوضات حول القضية و التفاصيل من نفس الشخص " في الوقت الذي شرعنا في الحوار، وعبرنا عن نيتنا في تباحث الحل السلمي للأزمة، لا ندري ماذا تغير.. مع من نتحاور مع فرنسا، أم مع الحكومة المالية؟، لقد مكثنا في الجزائر لأكثر من أسبوع ننتظر وصول وفد الحكومة المالية، إلا أنه لم يصل إلى اليوم، ونفس الشيء في بوركينا فاسو، حيث التقينا بوفد عن الحكومة الانتقالية، وشرعنا في الحوار قبل أن يفاجئنا رئيس الوزراء بتبرئة نفسه من الوفد، وقال إنه لا يمثل الحكومة المالية ".
وبشأن اتفاق الجزائر، قال ولد بوعمامة،  "
إن الجماعة ليست ضد الاتفاق وإنما ضد طريقة الاتفاق، لقد أوفدت الجماعة شخصا إلى الجزائر ضمن الوفد للتباحث لإيجاد حل سلمي للأزمة وفق الطرح الجزائري، إلا أن هذا الشخص تعمد التخلف عن الوفد وعقد اتفاقا مع الأزواد، من دون العودة إلى الجماعة.. وأؤكد هنا بأن الاتصالات مع الجزائر لم تنقطع يوما، وإنما فرنسا قفزت على الجزائر واستخدمت حق الفيتو ". و المشترك في الحالتين حضور فرنسا و تدخلها في المفاوضات. و هذا فيما يخص الجزائر.

- لماذا النيجر؟ :
أما فيما يخص النيجر فيكفينا أن نعرف أنها دولة اسلامية أيضا و هي  فقيرة لكنها هي الأخرى تمتلك احتياطا مهما من اليورانيوم خاصة بعد اكتشاف منجمين كبيرين لليورانيوم بالقرب من مدينة أرليت الشمالية. ومع نهاية حمى جمع اليورانيوم في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي تراجعت الاستثمارات الجديدة في هذا القطاع مما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد. وتمتلك شركة تنقيب فرنسية حق تشغيل اثنين من أكثر مناجم النيجر إنتاجا وهما: منجم سومير المكشوف ومنجم كوميناك تحت الأرض، وقد تمت أعمال الحفر والتنقيب باستثمارات فرنسية. ومع بداية عام 2007 قامت النيجر بإصدار العديد من تراخيص الحفر والتنقيب عن اليورانيوم للعديد من الشركات العالمية الغير فرنسية الأخرى خاصة من كندا وأستراليا للتنقيب عن احتياطيات جديدة. و قد تخسر فرنسا بسبب هذا الفعل الكثير من الأموال .

 الذهب : 
 أشارت العديد من التقارير عن وجود كميات كبيرة من احتاطيات الذهب موجودة بين نهر النيجر والمنطقة الحدودية المتاخمة لـبوركينا فاسو. وفي الخامس من أكتوبر لعام 2004 أعلن الرئيس تانجي رسميا عن افتتاح منجم الذهب بهضبة سميرة بمقاطعة تيرا وقدمت له أول سبيكة ذهبية تنتجها النيجر. وقد مثلت هذه اللحظة نقطة تاريخية في تاريخ النيجر المعاصر حيث يعتبر منجم هضبة سميرة هو أول منجم للكشف عن الذهب وإنتاجه وتصديره في النيجر. ويمتلك المنجم شركة ليبتاكو للتعدين وهي شركة مغربية كندية نيجرية مشتركة يمتلك الطرفين المغربي والكندي 80% من الشركة مناصفة في حين تمتلك حكومة النيجر 20% من الشركة. وبلغ إنتاج المنجم في العام الأول 135,000 أوقية بسعر 177 دولار أميركي للأوقية. ويبلغ إجمالي حجم المنجم 10,073,626 طن بمعدل 2.21 جرام للطن مما يتيح إنتاج 618,000 أوقية من الذهب الخالص سيتم استخراجها خلال ست سنوات. كما تتوقع الشركة المالكة العثور على احتياطات أخرى في المنطقة التي أطلق عليها حزام الذهب والواقعة بين مدينتي جوثاي وعولام في الجنوب الغربي للبلاد.

النفط : 
 تمتلك النيجر احتياطيات نفطية كبيرة. ففي عام 1992 تم منح حق استخراج النفط من منطقة هضاب دجادو لشركة هانت أويل الأمريكية، كما تم منح حق التنقيب في صحراء تينيري لشركة النفط الوطنية الصينية كما تم منح حق الكشف والتنقيب بمنطقة أجاديم الواقعة في ديفا شمال بحيرة تشاد لشركتي إكسون موبيل وبيترونز الأمريكيتيين إلا أن التنقيب لم يتخط َ المراحل الكشفية.

و في عام 2008 أعطت الحكومة النيجرية حق الانتفاع بمنطقة أوجاديم لشركة النفط الوطنية الصينية حيث أعلنت النيجر أن الشركة الصينية سوف تقوم بإنشاء الآبار والتي سيتم افتتاح 11 بئر منهم بحلول عام 2012 بقدرة إنتاجية تصل إلى 200,000 برميل يوميا بالإضافة إلى مصنع تكرير بالقرب من مدينة زيندر وخطوط للأنابيب لنقل النفط تمتد لخارج حدود البلاد وذلك مقابل خمسة مليارات من الدولارات الأمريكية.

و تمتلك النيجر احتياطيات من النفط تقدر بنحو 324 مليون برميل تم الكشف عنهم وبانتظار الكشف عن احتياطيات جديدة بصحراء تينيري بجوار واحة بيلما وقد أعلنت النيجر عن أملها في إنتاج أول برميل للنفط تصدره للسوق الدولية بحلول عام 2009.

و هذه مجرد بداية فالسينغال و بركينافاسو أيضا قد تتضرران من هذا الاحتلال بحكم ثرواتهما التي قد تجذب فرنسا.



المصادر :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق