الأربعاء، 27 يونيو 2012

مسلموا العالم : معاناة مسلمي ميانمار


تشهد ميانمار حالات وحشية من القمع ضد المسلمين الذين يعانون العذاب ألوانًا في تلك البلاد التي تريد ترحيلهم منها وطردهم لتخلو البلاد من المسلمين وتحافظ على غالبيتها البوذية الحاكمة للبلاد، وقد أحضر لي صديقًا لي بعضًا من الصور منذ بضعة أسابيع كانت مقلقة للغاية، فهو يعمل لوكالة مساعدات دولية وكانت الصور من رحلة قضاها في زيارة بعض القرى في ولاية راخاين بشمال ميانمار، بالقرب من الحدود مع بنجلاديش.
وتلك الولاية تأوي أقلية روهينجيا، وقد أظهر لي تلك الصور لأنه شعر بالغضب من أن الشعب هناك كان يضطر للعيش في تلك الظروف المأساوية، فبعض الأطفال كانوا يعانون من سوء تغذية، وكان الإحباط مرسومًا على وجوه الأمهات.
واليأس على وجوه أولئك الأمهات هو الذي أثر في صديقي كثيرًا، بسبب ما رآه على أنه انعدام للأمل، وصديقي الذي لا يرغب في الكشف عن اسمه كان يعمل في ذلك المجال منذ فترة طويلة، ورأى أماكن يقول أنه لا يرغب في تذكرها، ولكن لم يزعجه مكان مثلما أزعجته ميانمار ووضع المسلمين فيها.

قمع منظم:
يقول لي صديقي: "إن أوضاع مسلمي ميانمار مشابه تمامًا للعديد من اللاجئين في إفريقيا في الثمانينيات والتسعينات، فلا يوجد لديهم مياه لذا تفشت الكوليرا، وتلك مشكلة صحية أخرى، ولكن المختلف هنا هو أن ذلك كان يحدث منذ فترة طويلة جدًا، إنه قمع منظم مورس ضدهم لسنوات طوال". ففي بعض الأجزاء من شمال ميانمار في ولاية راخيني تصل نسب سوء التغذية الحاد إلى 25% من السكان، وتعتبر منظمة الصحة العالمية وصول الرقم إلى 15% بمثابة كارثة عاجلة، ولكن يبدو أن تلك الأرقام لا تزعج الغالبية البوذية الحاكمة في ميانمار.
يقول ديفيد ماثيسون الباحث لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان العالمية: "إنه من الإنصاف أن نقول أن معاملة الحكم العسكري ضد مسلمي ميانمار لا يختلف عن معاملتهم لغالبية سكان بورما، ولكن بالرغم من المعاملة السيئة للأقليات العرقية الأخرى، إلا أن المسلمين يعاون من معاملة وحشية؛ حيث لا يتم منحهم حتى الجنسية، وكأن النخبة الحاكمة تعاملهم وكأنهم ليسوا موجودين".

تطهير عرقي:
هناك ما يقدر باثني مليون من مسلمي ميانمار في الإقليم، ونصف ذلك العدد يعيش في ولاية راخيني الشمالية، وهناك عدة مئات من الآلاف تم تهجيرهم على يد الجيش في عمليتين منفصلتين للتطهير العرقي، واحدة وقعت في أواخر السبعينيات والأخرى في أوائل التسعينيات. وبعضهم يعمل الآن في الشرق الأوسط، وبعضهم ظلوا يعيشون في معسكرات في بنجلاديش المجاورة، أما حكومة ميانمار والعديد من الطبقة الحاكمة من المجتمع البوذي هناك فيقولون أن شعب ميانمار المسلم أتى من بنجلاديش، وهذا هو المكان الذي ينتمون إليه.
وقد تم جلب العديد من قبائل روهينجيا إلى ميانمار من جنوب آسيا على يد الاحتلال البريطاني، في حين كانت بقية المنطقة جزءًا من الهند البريطانية، ولكن العديد من قبائل روهينجيا ظلوا يعيشون في ميانمار لمدة تقرب من مائتي عام إن لم يزد عن ذلك.
ولكن يبدو أن كل ذلك لا يعني شيئًا للحكام العسكريين لميانمار، فسلوكهم ضد الأقلية المسلمة يبدو أنه خليط من الخوف المرضي منهم وخليط من العنصرية، فقد كتب المستشار العام لميانمار في هونج كونج رسالة إلى زملائه في المجتمع الدبلوماسي في أوائل هذا العام قائلاً: "في الواقع أن قبائل روهينجيا المسلمين ليسوا من شعب ميانمار وليسوا أيضًا أقلية عرقية من ميانمار، فأنت ترى في الصور أنهم يتميزون باللون البني الغامق، أما شعب ميانمار فيتميز باللون الأبيض وبالنعومة والوسامة، أما شعب ميانمار فهم قبحاء مثل الغيلان".

منع أبسط حقوقهم:
ويتم منع الأقلية المسلمة في ميانمار من أبسط حقوقهم، فهم لا يعتبرون مواطنين وليس لديهم جوازت سفر، كما أنه من غير المسموح لهم أن يسافروا من ولاية راخيني الشمالية إلى الأجزاء الأخرى من ميانمار، كما أنهم من غير المسموح لهم حتى بأن يسافروا من قراهم إلى القرى داخل الولاية بدون تصريح مسبق، كما أنهم ممنوعون من الزواج بدون تصريح.
كما أن المناطق الحدودية في شمال ولاية روخيني ممنوع دخول الأجانب إليها، فيما عدا عمال الإغاثة الأجانب، فالصحفيون الأجانب غير مرحب بهم في ميانمار على الإطلاق، وفي رحلة سرية إلى منطقة سيتوي وهي عاصمة ولاية راخيني صدمت عندما رأيت كيف يمكن للغالبية الحاكمة من البوذيين أن يقبلوا بمثل تلك المعاملة القاسية لأبناء ميانمار المسلمين.
وفي متحف الثقافة في البلاد هناك جزء مخصص للجنسيات المختلفة من ولاية راخيني، بما في ذلك العشرات من المجموعات العرقية والقبائل التي سكنت تلك الولاية، ولكن لا يوجد أي ذكر لمسلمي ميانمار من روهينجيا، وعندما سألت المرشد السياحي المرافق لي لماذا ذلك، فإنه لم يتردد في القول بأنهم "ليسوا جزءًا من مجتمعنا، إننا لا نعتبرهم على أنهم جزء منا".

الهروب من ميامنار:
وقد اختار العديد من مسلمي بورما الفرار من البلاد أملاً في العثور على حياة أفضل في مكان آخر، وتصدرت أخبار بعضهم عناوين الصحف عندما اعترضت سفينة تايلاندية زوارق تحمل العديد من مهاجري ميانمار من المسلمين وأعادتهم مرة ثانية عن طريق البحر، في حين صرحت الحكومات المحلية أنها لا تريد أيًا من مسلمي ميانمار على أراضيها، ويقول اثنان من مسلمي ميانمار اللذين استطاعا أن يهربا من روهينجيا مؤخرًا أنهم كانوا يعاملون معاملة أسوأ من الحيوانات.
ويقول إسماعيل لالو 39 عامًا أن القشة التي قسمت ظهر البعير كانت عندما أجبره الحكام العسكريون في ميانمار على بناء قرية جديدة للمستوطنين البوذيين على أراضي المسلمين، وهو ما يصفه العديد من نشطاء حقوق الإنساء بأنه تطهير عرقي فعلي لهم.
وقد استطاع لالو أن يلجأ بصورة مؤقتة إلى ماليزيا، بعدما دفع إلى المهربين 500 دولار للوصول إلى تايلاند، ولا يزال مديونًا بمبلغ 600 دولار أخرى إلى مهربين ماليزيين أمنوا له الوصول إلى كوالالمبور. ويقول مسلم آخر واسمه ديل محمد 32 عامًا أنه قرر الرحيل بعدما وضعت السلطات زوجته في السجن بعد أن حاولت أن تسافر لرؤية أقاربها في قرية مجاورة بدون الحصول على تصريح، ولكنها ماتت في الحجز.

ممارسات وحشية:
وتقول الناشطة كريس ليوا من مشروع أراكان والذي يساعد مسلمي بورما أنه يتم فرض ضرائب تعسفية عليهم ويجبرون على العمل في بناء قرى بوذية على أراضي المسلمين، كما يقوم الحكام بمصادرة أراضيهم وبقمعهم دينيًا، وفي تلك الظروف يأمل الكثيرون في الهرب بحثًا عن عيش أفضل في مكان آخر.
وهذا يتفق تمامًا مع رغبة الحكام العسكريون لميانمار والذين يرغبون في رؤية مسلمي ميانمار يختفون إلى الأبد من بلادهم، ويقول عمال الإغاثة أن ذلك هو السبب في أن الحكام العسكريين يغضون الطرف بل يشجعون المهربين على تهريب المسلمين إلى خارج البلاد.
وقد حثت لجنة مراقبة حقوق الإنسان الشهر الماضي جيران ميانمار في جنوب شرق آسيا للضغط على الجيش لإنهاء ممارساتهم الوحشية ضد المسلمين، ولكن يبدو أن تلك الدعاوى لا تلقى آذانًا صاغية.
ويقول صديقي عامل الإغاثة: "الجميع يجدون مبررات ومسوغات لسجن مسلمي ميانمار، إنه شيء سيئ، إنني تعرضت إلى ظروف مثل تلك من قبل ولقد اعتدت على التعامل مع تلك الأشياء، ونادرًا ما أشعر بالصدمة عندما أرى تلك الممارسات، ولكن الوضع في ميانمار بالنسبة للمسلمين أشبه بالجحيم".

المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق